طريق الحج المصري من وادى الوجه

وادي الوجه
 
فريق الصحراء:طريق الحج المصري-رحلة عبر الزمن-الجزء السابع
تخرج القافلة من آبار وادي عنتر جنوباً والبحر يمينهم يرونه أحياناً ويبتعدون عنه حيناً آخر
ثم يمرون بجبل جميل على يسارهم هو جبل لبن

DSC00876
المحطة الرئيسية القادمة هي آبار وقلعة الوجه وتبعد حوالي 47كم عن اسطبل عنتر
2008-05-01_222121
صورة جوية توضح موقع منزلة الوجه عند الدبوس الأصفر,لاحظ انها تقع 8كم عن بلدة الوجه الحديثة الواقعة على البحر.
كانت آبار الوحه محطة هامة للحجاج ,وكانت في البداية مجرد حفائر يحفرها الحجاج في بطن الوادي ثم في عهد المماليك بنيت الآبار وأخيراً أقيمت بها قلعة في بداية العهد العثماني.
اشتهرت آبار الوجه بعذوبة المياه لكن كان يعيبها اعتمادها على مياه المطر بحيث تنعدم اذا تتابعت سنوات القحط,ويل للحجاج اذ ذاك فعليهم تدبير المياه حتى الوصول الى ينبع وهي مسافة كبيرة.
أول وصف رأيته لهذه المحطة هو ماذكره العبدري-(689هجري) واصفاً منزلة الوجه:”هو ماء عذب طيب في أصل الجبل …ووقعت به في بعض الأعوام في الحجاج مقتلة عظيمة قتلهم العرب وانتهبوهم”
وفي القرن الثامن يقول بن فضل الله عن الوجه:هو جفار في واد يسيح ماؤها ليلاً ويشح نهارا ,يرد مائه كأنه ماء النيل والفرات وكثيراً ما يحصل للحجاج على منزله العذب زحام ويقع بينهم بسببه مشاجرات وخصام
وقد اهتم سلاطين مصر بمحطة الوجه و وآبارها لأنه لا يوجد بعدها آبار يعتمد عليها الى ينبع ةهذه مسافة طويلة.ويذكر الاستاذ علي غبان انه أنشيء في وادي الوجه 11بئر سلطانية وهذه بعض من صورها:
DSCN2520
DSCN2525
الجزيري ذكر ان والي مصر العثماني ابراهيم باشا قام سنة 931 هجري باصلاح آبار الوجه على يد جانم الحمزاوي
الشعر و وادي الوجه
تنافس الشعراء في نظم أبيات عن منزلة الوجه,ساعدهم في ذلك كلمة الوجه وامكانية التورية بها عن عدة معان وقد جمع حمد الحاسر رحمه الله جلّ هذه الأشعار في مقالة له عن الشعر في منازل الحج نشر في مجلة العرب وهذه بعض نماذج :
للشهاب بن ابي حجلة
أيا سادة في الوجه فزت يقربهم
-ولم أدر ان القرب يؤذن بالبعدِ
سريتم الى أكرى فشردتم الكرى
وخلفتموا في الوجه دمعي على خدِ
قطب الدين النهروالي
أقول ووادي الوجه سال من الحيا
وقد طاب فيه للحجيج مقامُ
على ذلك الوجه المليح تحية
مباركةً من ربــنا وســلام
برهان الدين القيراطي
أتيت الى الحجازِ فقلت لمّا
تبدّى لي وجهه ثم ارتويتُ
وكم في الأرض من وجهٍ مليحٍ
ولكن مثل وجهك مارأيتُ
وله عند عدم الماء به
أقول وقد جئنا الى الوجه جمعنا
عطاشٌ وكلٌ حار فيه رجاؤه
اذا قل ماء الوجه قل حيائه
ولا خير في وجهٍ قل ماءه
الفيومي
ولما وجدنا الوجه عند وروده
خلياً من الماء الفرات فناؤهُ
زممت مطيي ثم قلت ترحلوا
فلا خير في وجهٍ اذا قل ماؤهُ
وكان الجزيري بمدح وادي الوجه اذا جادته الأمطار وامتلأت نواحيه بألوان النّوار وفي سنة 962مر به وهو قاحل فتذكر ماصار وقال
سقى الله صوب الوجه مزناً مضاعفا
مكللة ارجاؤه سحب الحيا
ليحيي به ذاك العهاد ورحبه
بري وفود طالما ابتهلت هيا
وأبقى لذاك الوجه رونق مائه
مصاناً عن التغيير زاه مضاهيا
من مآسي حجاج بيت الله :سنة العطشة
سنة 833 هجري هلك عالم من الحجاج بين أكرة والوجه من العطش مات فيها 3000 ويقال 5000 نفس, وفي السنة التي بعدها حج المؤرخ المشهور المقريزي بأهله وكان شاهداً على المأساة ,يقول: فلما وصلوا إلى الوجه – وكنت فيهم بأهلي – وجدنا فيما بين الوجه وأكره عدة موتى، ما بين رجال ونساء، ممن هلك في عطشة الحاج، فدفن منهم نحو الألف، وترك ما شاء الله.
ذكر الجزيري انه في سنة 930 هجري أيضاً حصل للحجاج في تلك السنة عطش شديد ومعظمه بالوجه بحيث انه مات من العطش بمنزلة الوجه وقبله خلق لا ينحصر عددهم ومن الحمير والبغال والجمال عدد وافر وصارت تاريخاً فيقال سنة العطشة بالوجه-وقال الجزيري انه رتب لأصحاب الدرك على تنظيف هذه الآبار وحراستها وتسهيل طرقها ومع هذا فان قلة المطر قد تنزح البئر فعندما مر الجزيري بالوجه 955هجري لم يقفوا به لانعدام الماء!
انشاء قلعة الوجه (1026هجري)
2008-05-01_222417
صورة فضائية من قوقل أرض-شاهد جمال هندسة القلعة ووقوعها عند ملتقى عدة شعاب,لاحظ ايضاً البرك الثلاث تحت السور الشمالي
اشئت هذه القلعة المهيبة في عهد السلطان العثماني أحمد الأول عام 1026 هحري-1617م
وقد تم توثسق هذا الانجاز بنقش تأسيسي فوق بوابة القلعة على شكل أبيات شعر صوره ونقله د.علي غبان وهذا نصّه:
ملك الأرض الذي قد قاسها-أحمد الأوصاف بدر الخلفا
عمّر القلعة في الوجه لنا-وبها للحج نفع وصفا
في زمان للوزير أحمدا-حاكم في مصر بحر للوفا
تم هذا السعي في تعميرها-لأمير الحج كامل يوسفا
قلعة بالوجه قد أرختها_قلعة السلطان وجه للصفا
الشطر الأخير بحساب الجمّل يساوي 600+181+14+231=1026هجري
بعد بناء القلعة لم تعد اهمية الوجه لوجود الماء فقط بل اصبحت مخزناً لتموين قافلة الحج خاصة بعد العودة حيث ترسل المؤن عبر البحر لتخزن فيها,كما انها صارت ملجأ للمريض والمحتضر من الحجاج ولعل المقبرة الضخمة قرب القلعة تشهد على عدد الأموات
وبعد بناء القلعة بعقد مر شيخ الرحالة المغاربة العياشي 1037هجري:الوجه واد كبير يخرج من بين جبلين والناس يتهيبون النزول في اصل الوادي اذا كان وقت السيول فيرتفعون عن جنبي الوادي…وفي الوادي عدة آبار بعضها حسن والتي فوق البندر أحسن من التي تحته وداخل البندر (يقصد القلعة )بئر تسنى بالبقر وتصب في ثلاث برك خارج البندر أظن حائط احداها من بناء الأمير رضوان في آخر ايامه وهي أوسطها ,واثنتان من بناء مملوكه غيطاس عام تولى امرة الحاج بعد مولاه ,والبرك الثلاث ملاصقة لسور البندر, ويعطي العياشي نصيحة مهمة بقوله:وهذا البندر آكد البنادر للخزن لأن الركب في الإياب قد يسبق الملاقي الذي من مصر الى هذا المحل فيغلى فيه الفولوالطعام الى غاية حتى تعجز عنه الأثمان في بعض الأوقات انتهى والمقصود بالفول هنا لطعام الركائب
قصة وعبرة
روى احد الحجاج هذه القصة:في سنة(1166هجري) وقع في وادي الوجه سيل عرم بغت الحجاج فذهبت بسببه رقاب ودواب واموال عريضة ولم ينح الا من كان على التلول  والكدى ومن الغريب ان رجلا من اهل مصر وكان ذا أبهة خرج  قبل مجيء السيل من رحله لقضاء حاجته وخلّف زوجته وأولاداً له أربعة وسريةً وأموالا عريضة  فلم يرجع الا هو صفر اليدين وهو ينظر الى جميع ذلك قد ذهب به السيل حتى القاه في اليم…ثم يضيف قائلاً:وهذه البلاد الحجازية مطرها قليل واذا نزل كان طوفاناً …ولا ترى أحذق ولا انبه من حجاج اهل فاس من المغاربة فتراهم يتجنبون ذلك دائما
الدرعي1196هجري شهد بداية اهمال القلعة..يقول:
:ثم نزلنا الوجه وتقول العامة الوش بالشين وهو لغة اهل مصر وبه بندر متقن حصين داثر من العمارة في هذا الزمان ,وربما نزلته الاعراب تخزن به ماتبيعه من الحاج من الكلأ والحطب ,وبه آبار قليلة عذبة يقل ماؤها بقلة الأمطار ويكثر بكثرتها وبها أخرى قبيحة الماء غاية والتي في يجوف البندر أحسن , وداخل البندر بئر تسقى بالبقر وتصب في ثلاث برك خارجة ملاصقة به ,وبأعلى الوادي بين جبلين على قرب من البندر ماء عذب زلال في ادس يتكلف حفرها نحو قامة تسمى اليوم الزعفران وتعرف في القديم بالشعبين غير انه ضنين وربما نزف,ومن هنا يحمل الكثير من الماء لما بعده من المفازات , والمحل ذو خف عظيم ,وسوقنا به اعراب بلي وجهينة وفيه يقول الشاعر
قد دخلنا بندر الوجه الذي
فيه قوت كل عام يختزن
وشربنا من مياه عذبت
شربها يجلو عن القلب الحزن
نشكر الله الذي أسعفنا
ورأينا ذلك الوجه الحسن
من مآسي حجاج بيت الله
وفي بندر الوجه (هب على الناس ريح السموم وتسقيهم من نضيج اليحموم واشتد الحر وتوالى الكرب على الناس واشتد العطش على الرجال فبركت الإبل وفرت لضلال الأشجار … مات من المغاربة زهاء الستين … نساء وصبيانا ورجالا وولدانا هو ما رأينا عيانا) (الدرعي).
وأخيراً محمد صادق باشاسنة 1297 هجري
يصف القلعة :هي قلعة حصينة من البناء كقلعة نخل في فلاة بين جبال من حجر أحمر صواني بها جامع ومخازن لخزن ميرة الحجاج والمحامل ومدفع واحد وثمانية أنفار حولها قفار كثيرة الزلط وليس بها الا بعض نخل وشجر نبق لم يُسق منذ أربع سنين لعدم نزول السيل في هذه المدة وليس بها بيوت ولا أسواق ولكن في أوان الحج يأتي اليها البياعون من المينا بساحل البحر
DSC00877
زيارة فريق الصحراء شوال 1428هجري
وصلنا الوجه في آخر يوم أعددناه لرحلتنا التي نتتبع فيها درب الحج المصري بدأً من حقل ,كان وصولنا متأخرا بعد العصر .يلاحظ ان مدينة الوجه الحالية الواقعة على البحر ليست منزل الوجه المقصود في كتابات الحجاج,فمدينة الوجه الحالية حديثة النشأة أما الآبار والقلعة التي يمر بها الحجاج فتقع في أعلى الوادي وتبعد 8كم شرق البحر.
قلت اننا وصلنا متأخري في سيارتين ,اما الزميل ابو حماد واحمد فقد توجهوا الى احد المساجد لاستخدام الماء ودخلت مع باقي الأعضاء الى القلعة عبر الوادي..حدث امر غير متوقع فقد اقترب احد الناس من أحمد وسأله ماذا يصور فقال انه سائح ويصور بلدة الوجه, هذا الرجل ذهب الى الشرطة وأخبرهم عن الزميل أحمد فقاموا باستدعائه الى مقر الشرطة,كان الضابط مثقفا ومتفهما فشاهد الفديو واعتذر من الزملاء بان من ابلغ عنه اساء الظن او انه ممن لا يفهمون!
هذه الحادثة عن شخص لا يمثل اهل الوجه الكرام قد تحدث احيانا للسائح والباحث ونتمنى زوالها من مجتمعنا,المحزن ان هذه الحادثة عطلتنا عن تفقد القلعة فترة طويلة لاقتراب غروب الشمس لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق
رأينا قلعة الوجه رائعة المظهر سيئة المخبر فخارجها مبهر بجمال الصنعة والموقع الجميل اما داخلها فمندثر مندفن معبوث به حتى لوحة التأسيس قد انتزعت من مكانها,والقلعة مبنية تحت سفح جبل أسمر بحجرجرانيتي اصفر اللون اعطاها منظراً جميلاً ووهي مربعة طول الضلع حوالي 50 متراً ويوجد برج دائري في كل زاوية..وتتناثر حولها آبار مبنية يالحجر المهذب وان كانت قد دفنت الآن,كما توجد مقبرة ضخمة بين القلعة والجبل ولكن المحزن ان رأينا قبوراً خارج السور قد عبث بها المهووسون من الباحثين عن الذهب الوهمي فحبذا ان يتصدى أحد لحفظ كرامة المسلمين الأموات وما أكثرهم على درب الحج.
منظر القلعة الخارجي وموقعها اعطاها جمالاً ورونقاً خاصاً وهي في نظري  من أجمل القلاع في المملكة العربية السعودية بعد قلعة المعظم(مفضلتي)
IMG_1358
dsc00887-medium1
لقطة بانورامية لمنزلة الوجه وقلعتها
——-
IMG_1368
مدخل القلعة ومكان لوحة التأسيس
IMG_1370
حجرات على مدار السور تطل على فناء
IMG_1371
بقايا مسجد وبقره بئر داخلية في الجهة الشمالية
DSC00882
بقايا مئذنة
IMG_1375
IMG_1376
يلتصق بالضلع الشمالي 3 برك
يوميات الرحلة:نهاية رحلة العيد
كان اليوم الذي زرنا فيه قلعة الوجه هو آخر ايام رحلة عيد الفطر ويلزمنا العودة الى العاصمة لأعمالنا …يالها من ايام مضت بسرعة البرق كانت موفقة ومشوقة ولله الحمد,كان شعور يشوبه شيء من الحزن ان نترك قافلة الحج المصري هتا في وادي الوجه ولا نرافقها الى مكة المكرمة,ودعناها آملين ان نكمل الطريق مع قافلة الحج المصري في أعوام قادمة ان شاء الله.
خرجنا من الوجه شرقاً مع طريق جديد يصل الوجه بالعلا عبر ابا القزاز و بدا …خرجنا من تلكم الجبال الداكنة وودعتنا السحب بزخة قصيرة …كنا منهكين ولكن سعداء جداً بما رأيناه وحققناه..كان ما نحتاجه الآن ان نرتاح في مكان واسع شَرح تنطلق فيه أبصارنا التي ملّت من جبال مدين…وفي هذا القاع الجميل كان ما تمنيناه
DSCN2548
تم بحمد الله

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قبيلة “بلى” تاريخها واعلامها

الصحابي زهير بن قيس البلوي

مدينة الوجه محافظة الوجه