وجه الحجاز

فنارها وجهة المستشرقين .. وعالجت نقص المياه بـ "الصهاريج التراثية"

"الوجه" .. المدينة التي درست "الكتاتيب" مع اللغة الإنجليزية




تطل محافظة الوجه على ساحل البحر الأحمر وهي إحدى محافظات منطقة تبوك الرئيسية، حيث تقع على ربوة مرتفعة ما بين خطي عرض 13 و26 شمالا وخطي طول 27 و36 شرقا في الجزء الشمالي الغربي من المملكة ما بين محافظتي ضباء شمالا ومحافظة أملج جنوبا على ارتفاع 200 متر عن سطح البحر.
ويصل عدد القرى والمراكز والهجر في المحافظة وفق تقرير بثته وكالة الأنباء السعودية أخيرا إلى 65 ما بين مركز وقرية وهجرة, ومناخها معتدل في أغلب فترات السنة، وفيها العديد من الأودية والجبال أشهرها وادي الحمض، الزريب، المياه، والعرجاء.
وتبلغ مساحة محافظة الوجه 36 كم مربع وأهم ما يميزها هو وجود مطار الوجه، حيث يربطها بمدن المملكة وترتبط بريا بخطوط مسفلتة حديثة، وكان لميناء الوجه دور حيوي عبر التاريخ بحكم موقعها على ساحل البحر الأحمر من خلال عملية التنشيط التجاري بين موانئ البحر الأحمر وقد عرف قديما بميناء الحجر (مدائن صالح) كما أنه استخدم من قبل الأنباط وكذلك في العصور الإسلامية خاصة في العصر الأيوبي والمملوكي والعثماني.
ومع الحرب العالمية الأولى حتى أواخر التسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري وتذكر بعض المصادر التاريخية أن الوجه ذكرت في زمن الخليفة العباسي أبو العباس السفاح كما ذكرها العذري في كتابه "نظام المرجان ومسالك البلدان" عام 414هـ كما ذكرها اليعقوبي في كتابه "البلدان" وكذلك ابن رشيد الأندلسي والخياري سنة 1081هـ والموسوي المدني عام 1039هـ والزياني في "الترجمانة الكبرى" 1170هـ والبتنوني في كتاب "الرحلة الحجازية" سنة 1906هـ كما ورد ذكرها في كتابات اللواء إبراهيم رفعت باشا في كتابة "مرآة الحرمين" أو رحلات الحج للأعوام 1318 ـ 1320هـ 1321هـ 1325هـ. ونشاط سكانها التجارة والعمل في المواقع الحكومية إلى جانب عمل مواطنيها في صيد الأسماك.
بداية أرض الحجاز
تعددت الآراء حول تسميتها على أنها نقطة بداية أرض الحجاز للقادمين من إفريقيا والمغرب ومصر برا وبحرا, ومن أسمائها الوشن أو الوش أو شاشة أو بندر الوجه أو ميناء الحسن وفي قواميس اللغة العربية لها عدة معان منها ما يعني القليل من الماء وكذلك تأتي بمعنى الماء العذب الصبيب وأيضا تأتي بمعنى منهل الوادي ولعل وجود الماء على سطح الأرض عند مكان يسمى قلعة الزريب يدعم هذا القول وكان هذا المنهل إحدى المحطات الرئيسة على طريق الحج في العصر العباسي والفاطمي وبعد عام 667هـ أصبح مصدرا مضمونا للماء, وقد تكون تسميتها بالوجه جاءت من وجه الحجاز بمعنى أنه أول نقطة يراها وينزل بها القادم برا وبحرا من إفريقيا والمغرب وتشير بعض المصادر إلى أن اسم الوجه مشتق من المواجهة والمقصود بها مواجهة ركب الحجيج في طريق عودته من الحجاز إلى مصر.
التراث الحضاري
ويمثل التراث الحضاري لمحافظة الوجه ثروة كبيرة شاهدة على الرقي المعماري الذي عرف به سكان المحافظة وتشتهر بشوارعها وبأسماء حاراتها القديمة وعرفت الوجه الصهاريج وهي من أشهر آثار الوجه وهي عبارة عن بناء مستطيل ذي فتحات سفلية تسمح بدخول مياه الأمطار بهدف جمعها داخل البناء واستخدامها للشرب عند نقص المياه ويبلغ طول الصهريج نحو 60 مترا وعرضه 20 مترا ويصل عمقه إلى 12 مترا وهناك من يذكر أن عدد الصهاريج بلغ 20 صهريجا.
ويبلغ عدد الآبار المتبقية في وادي الزريب 17 بئرا تنقسم إلى قسمين منها أحد عشر بئرا تقع حول قلعة الزريب وهي الأقدم أما الآبار الست المتبقية فقد حفرت في نهاية العصر العثماني وتقع بالقرب من مصب وادي الزريب وتعرف الآن بآبار وادي السيل, ومن أهم آبار القسم الأول: المويلحة، بئر المقومة الجنوبية، بئر العمارة، بئر التجارية، بئر العجوة، بئر الشادوف، بئر التدلاوي، بئر المقرنة، وبئر القلعة.
أما أهم آبار القسم الثاني: والتي تقع في وادي السيل منها بئر سبيل هداج، بئر المنشية، بئر المعلم، بئر النقيعة، وبر السنوسي.
وتوجد في محافظة الوجه قلعتان، إضافة إلى المساجد والزوايا القديمة يصل عمر بعضها إلى أكثر من 200 سنة فقد عرفت الوجه بوجود أقدم محكمة فيها وأول مدرسة ابتدائية عام 1333هـ، وتأتي ثاني بلدية بعد بلدية مكة أنشئت عام 1324هـ.
الفنار البحري
أما بالنسبة للفنار البحري والذي أنشئ في ميناء الوجه مرشد السفن عام 1292 هـ على الجانب الجنوبي منه فقد لعب دورا كبيرا في السابق وزار الوجه العديد من الرحالة والمستشرقين ودونوا ذلك في كتبهم.
بدأ التعليم في محافظة الوجه قديماً حيث أسست فيها أول مدرسة نظامية عام 1333هـ وكانت تسمى المدرسة الخيرية في أول تأسيسها ومن ثم المدرسة الأميرية عام 1344هـ وبعد توحيد المملكة سميت بالمدرسة السعودية وما زالت تعرف بهذا الاسم إلى يومنا هذا.
كتاتيب وإنجليزية
كان التعليم في الوجه قبل عام 1333هـ يتم في الكتاتيب التي يعمل فيها معلم واحد ومنها كتاب الشيخ سعيد شيخ من عام 1295هـ إلى عام 1300هـ وكتاب الشيخ محمد أحمد عيسى الفقيه من عام 1300هـ إلى عام 1340هـ ثم أنشئت مدرسة ضمت عدداً من التلاميذ سميت مدرسة الوجه الخيرية وعين لها الشيخ محمد أحمد العربي مديراً لها وهو من ذوي الخبرة والعلم وكانت اللغة الإنجليزية تدرس في هذه المدرسة وقت تأسيسها حتى عام 1340هـ ثم جاء من بعده الشيخ راغب قباني ومحمد علي النحاس الذي أصبح فيما بعد معتمد للتعليم في منطقة الإحساء ثم جاء الشيخ مصطفى سحلي ثم عثمان القصباني رحمهم الله أجمعين.
وفي عام 1373هـ وهو العام الذي تأسست فيه وزارة المعارف سابقاً وزارة التربية والتعليم حالياً عين الأستاذ مصطفى حسين بديوي رحمه الله مديراً لهذه المدرسة وهو أحد طلابها ومن المتخرجين فيها وقد قام بالاتصال بوزارة المعارف لوضع ختم للمدرسة يحمل تاريخ تأسيسها عام 1333هـ وقد تم ذلك فعلاً ثم جاء من بعده الشيخ محمود عبد الحميد بديوي رحمه الله.
وبعد استقرار البلاد أصدر الملك عبد العزيز رحمه الله أوامره بنشر التعليم في أنحاء المملكة كافة، الأمر الذي دفع أبناء البادية إلى الالتحاق بالتعليم، حيث قدم أبناء قرى الكر وأبو القزاز وبداء إلى محافظة الوجه وسجلوا في مدرستها في ذلك الوقت وصدر أمر ملكي بأن يفتح لهم مطعم خاص بهم لكونهم قدموا من البادية تقدم فيه الوجبات الغذائية على نفقة الدولة وكان عددهم 28 طالباً.
وأصبح التعليم اليوم منتشراً في محافظة الوجه حيث تضم المحافظة في مراكزها وقراها عشرات المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، إضافة إلى تعليم الفتاة في مختلف المراحل الدراسية ووجود الكليات الصحية والتقنية والمعاهد الفنية والمهنية مع تنفيذ المشاريع التعليمية لبناء مدارس حكومية بدل المدارس المستأجرة سواء داخل مدينة الوجه أو في المراكز والقرى التابعة للمحافظة مع إنشاء مبنى مركز الإشراف التربوي في المحافظة, يشرف على سير العملية التعليمية والتربوية في محافظة الوجه.
وفي المجال السياحي تعد محافظة الوجه من أهم أماكن السياحة في منطقة تبوك حيث يحتضنها البحر بأمواجه وشواطئه الحالمة وتمتعها بالعديد من الجزر الواقعة على مقربة من الساحل, ويعتبر مينا الوجه من أكثر أجزاء البحر الأحمر صفاء وجمالا مما يجعله عامل جذب سياحي خاصة لهواة الغطس واكتشاف الأعماق والباحثين عن صيد الأسماك ولاسيما جراد البحر (الاستاكوزا) الذي تتميز به محافظة الوجه عن غيرها.
والوجه لها تاريخها العريق الذي يؤكد أهميتها التاريخية، حيث كانت من محطات الحج الرئيسية لحجاج مصر والشام وبلاد المغرب العربي وفيها العديد من الشواطئ الساحرة وينتظرها استثمار سياحي لجذب رؤوس الأموال والخبرات للاستثمار في مجالات التنمية المتعددة والواعدة.
إن استثمار التجربة التنموية في محافظة الوجه ليس سهلا على الدارس والباحث المتعجل فالوجه لها جذور تاريخية تعاقبت عليها حضارات إنسانية متعددة فتركت تجاربها شاخصة في أرجائها. إن استثمار الثروة الحقيقية لهذه المحافظة والمتمثلة في قدرات أبنائها عبر مسارات متعددة ترتكز على خطط مستقبلية ورصد للأولويات حيث كان ذلك هو الحافز البناء والمشجع الأكبر للتسابق نحو توظيف كل أشكال الدعم من أجل تحقيق التطلعات والطموحات ومازالت المسيرة ماضية بعون الله ثم بفضل الدعم السخي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين، حفظهما الله، ومتابعة أمير منطقة تبوك.
عراقة ووداعة
ويقف ميناء الوجه القديم والبلدة شاهدين على حضارة هذا البلدة الوادعة ويحملان العراقة ويسمحان بالتجدد دائما.
- قلعة الوجه وهي من القلاع القديمة ترجع إلى عام 1376 هـ حيث اتخذت موقعا استراتيجيا في حماية البلدة عند بنائها وتشرف في الوقت ذاته على الميناء وكذلك السوق القديم.
- كورنيش البلد هو كورنيش البلدة القديمة وهو رصيف ضيق بعرض عشرة أمتار ويمتد كيلو مترين ويرتفع عن الشاطئ وفيه مقاعد أسمنتية وسور قليل الارتفاع. ويعد شاطئ خليج حواز وحويز من أجمل الشواطئ في الوجه ومن أكبرها وتبلغ مساحته 3.5 كيلو متر مربع بطول ستة كيلومترات تتنوع فيه البيئة الطبيعية وشاطئه بكر يمتد كيلو مترا واحدا ويبعد عن الوجه 60 كيلو مترا شمالا.
- شاطئ الرصيفة يمتد ثلاثة كيلومترات متدرج بالعمق ويبعد عن الوجه 60 كيلومترا شمالا ويتميز بتنوع طبيعة أرضه ما بين شاطئ رملي وصخري.
- شاطئ خليج عنتر طوله ثلاثة كيلومترات ويبعد عن الوجه 45 كيلو مترا شمالا متدرج العمق وتحيط به هضاب وفيه أشجار الشورى.
منطقة رال وتتكون هذه المنطقة الجبلية من صخور الجرانيت الممتدة على السهول الساحلية وتقع إلى الشرق من الوجه وفيها حياة طبيعية من الحيوانات خاصة الوعول التي حمى المواطنون وجودها على مدى 200 عام.
- واحة بدا وتقع على بعد 100 كيلو متر إلى الشرق من الوجه وفيها موقع أثري قديم يكثر فيه الفخار والخزف الإسلامي الذي يرجع إلى القرنين الإسلاميين الثالث و الرابع.
- متنزه الكورنيش مساحته تقدر بـ 3500 متر مربع يمتد شريطا ساحليا وهو مرفق سياحي جيد لسكان المحافظة والزائرين وفيه العديد من الخدمات.
- متنزه زاعم تقدر مساحته بـ 2000 متر مربع وفيه الكثير من الخدمات وفيه نقطة بحث وإنقاذ وهو من الشواطئ الجميلة التي تغري مرتاديها بالسياحة .
- شاطئ الهدية جنوب الوجه ومساحته سبعة كيلومترات طريقه ترابي ممهد وشاطئه رملي متدرج الأعماق لمسافة خمسة كيلومترات وتقدر مساحته ب 2.5 كلم مربع ويصلح للسباحة ويرتاده الكثيرون.
- قلعة الزريب التي بنيت عام 1026 هـ في عهد السلطان أحمد الأول على طريق الحج المصري لتكون حصنا لحماية قوافل الحجاج والمواد التي يختزنونها كمؤونة أثناء عودتهم من الأراضي المقدسة وتعد الآن من أهم الآثار الباقية في الجزء الشمالي الغربي من المملكة وهي مبنية من الحجر تتميز بطرازها المعماري لها أربعة أبراج ويقع مدخلها في الجزء الغربي وفيها بركتان لتخزين الماء وهي من سلسلة القلاع لحماية الحجيج.
جزر وشعب مرجانية
أما جزيرة بريم فتقع جنوب غرب الوجه على بعد 26 كلم ومساحتها 18 كيلو مترا مربعا وشواطؤها من أجمل الشواطئ وتتميز بالشعاب المرجانية.
جزيرة أم رومة جنوب غرب محافظة الوجه على بعد 15 كلم ومساحتها 6 كيلو مترات مربعة وشواطئها جميلة وتنتشر فيها الشعاب المرجانية.
جزيرة مريخة تتميز باتساعها وتنوع طبيعتها بمساحة تقدر بـ 12 كيلو متراً مربعاً وهي جبال وشواطئ رملية والصيد فيها متوافر وتشهد إقبالا واسعا من السياح.
- فنار الوجه ويقع جنوب ميناء الوجه وقد تم بناؤه في عام 1292 هـ على شكل برج أبيض اللون عال يضاء ليلاً لهداية السفن ولم يبق من بنائه سوى أجزاء قليلة.
- شاطئ الدميغة وهو عبارة عن خليج مائي يمتد مسافة ثلاثة كيلومترات ومياهه متدرجة العمق تحيط به الهضاب من الجهتين.
الملاحة وهي المكان الذي يستخرج منه الملح, وكان أحد أنواع التميز الاقتصادي وتقع بالقرب من المطار.
سوق تراثية
تقع السوق القديمة على الشفة الشمالية للميناء أسفل الهضبة التي تقع عليها محافظة الوجه الحديثة, وقد شهدت السوق القديمة حركة تجارية ضخمة حيث كان يمر عليها الحجاج القادمون من المناطق المجاورة وهو ما يفسر ازدهار الوجه طوال قرون عديدة دون غيرها من المدن الأخرى.
ولهذا فإن محافظة الوجه تمثل منطقة جذب سياحي نظير ما تتمتع به من سواحل جميلة وجو عليل تنفرد به عن بقية المناطق من خلال كورنيش بحري جميل يمتد لأكثر من ثمانية كيلومترات ويوجد العديد من الملاهي والمقاهي وأماكن السباحة والمتنزهات العائلية والشاليهات والمجسمات الجمالية ومصائد الأسماك ولا تتوقف السياحة على هذه المقومات من الآثار أو المناخ فحسب بل إن السائح يجد سكان الوجه يتمتعون بكرم حاتمي وترحيب بالضيوف، وقد وجدت السياحة في الوجه كل الدعم والتشجيع من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، كما حظيت بمتابعة من قبل أمير منطقة تبوك الذي لا يألو جهداً في سبيل تطوير المنطقة والوقوف على إنجازات المحافظة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قبيلة “بلى” تاريخها واعلامها

الصحابي زهير بن قيس البلوي

مدينة الوجه محافظة الوجه