مدينة بغداد المدورة في زمن الخلافة العباسية
تأسست مدينة بغداد في القرن الثامن الميلادي كعاصمة للخلافة العباسية، على يد الخليفة المنصور. وكانت الخلافة العباسية قد هزمت الأمويين لتوها، وأراد المنصور عاصمة مميزة لدولته، فكانت فكرة مدينة بغداد المدورة أو الدائرية.
اختار الخليفة المنصور موقعًا على بعد 30 كيلومترًا شمال العاصمة الساسانية قطيسفون، على طول ضفاف نهر دجلة، وبدأ بوضع خطط وتصاميم للبناء. أراد المنصور أن تكون بغداد مدينة مثالية، لتكون عاصمة الإمبراطورية الإسلامية تحت حكم العباسيين. ومن أجل ذلك جلب آلافًا من المهندسين، والمعماريين، والمساحين، والنجارين، والحدادين وأكثر من مائة ألف عامل من جميع أنحاء الدولة العباسية.
وقد استشار المنجمين، وبحسب نصائحهم، فقد وضع أول لبنة للمدينة في الثلاثين من يوليو عام 762 ميلادية واستمر بناؤها حتى 768. تم تصميم المدينة الأصلية على شكل دائرة، والتي كانت بمثابة تكريم للتعاليم الهندسية لإقليدس الذي كان الخليفة المنصور معجبًا به. في مركز المدينة كان هناك بناءان، المسجد الكبير ومقر إقامة الخليفة، وقصر الذهب. وقد كان يحيط بالقصر، والمسجد مساحة واسعة لم يكن مسموحًا إلا للخليفة باستخدامها لركوب الخيل.
وعلى حافة المكان كانت قصور أبناء الخليفة ومنازل الموظفين، والخدم، وثكنات الحرس، ومكاتب الحكومة، وقد كانت منطقة المركز محمية بجدار داخلي. أما أماكن المعيشة والمباني التجارية فكانت متركزة في حلقة بين الجدار الخارجي للمدينة، والجدار المحصن.
وقد كان ارتفاع الجدار الخارجي 30 مترًا، وسُمكه 44 مترًا من القاعدة، وقد كان مدعمًا بالأسوار والحصون، كما كان هناك خندق عظيم يحيط بها. وقد كانت المدينة مقسمة إلى أربعة أرباع بواسطة شارعين يمتدان حتى نهاية الجدار الخارجي، وينتهي في أربعة أبواب، البصرة، والكوفة، وخراسان، ودمشق أو الشام.
وللأسف، لم يتبقَ شيء من هذه المدينة، فقد هُدمت آخر آثارها في وقت مبكر من عام 1870 حين جاء مدحت باشا الوالي العثماني إلى بغداد، حيث لم يكن لديه الكثير من الاهتمام بالاحتفاظ بتاريخ المدينة، إلا أنه قام بالعديد من الإصلاحات، فبنى المدارس، والمعاهد، والمستشفيات، ومخازن الحبوب، والحدائق العامة، وإمدادات المياه، والطرق والجسور.
كما نفذ إصلاحات في الأراضي، وقوانين الضرائب. وتعد السنوات الثلاث التي قضاها مدحت باشا هي الأكثر أهمية في تاريخ بغداد الحديث. ومهما تعاقبت المآسي على هذه المدينة العظيمة، فستبقى منارة للعلم والحضارة على مر الأزمان.